/ الفَائِدَةُ : (8) /
07/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الحُجَجُ والمُحْكَمَاتُ على مراتبٍ طوليَّةٍ / إِنَّ لِحُجِّيَّةِ الخبر مراتباً طوليَّةً من عدَّةِ جهاتٍ، أَهمُّها ثلاثة : الأُوْلَىٰ: حُجِّيَّة المتن. الثَّانية: صحَّة وحُجِّيَّة الكتاب. الثَّالثة: حُجِّيَّة الطَّريق والسَّند. ثُمَّ إِنَّ أَعظم مراتب الحُجَج هي : (المُحْكَمَات)(1)، وهي على مراتبٍ طوليَّةٍ أَيضاً، أَعلاها ورأس هرمها: أُمُّهات المُحْكَمَات، ومعناها: المركز والمُحور والمُهَيْمِن . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان قوله تعالىٰ: [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأوِيْلِهِ](2). والإِحْكَامُ المأخوذ في بيان هذه الآية الكريمة وإِنْ كان قد يُفسِّره البعض بإِحْكَامِ الدِّلَاَلَةِ، لكنَّ الحقّ: أَنَّ عظمة إِحْكَام المُحْكَم وعمدته لا تكمن في الدِّلَاَلَةِ، وإِنَّما ـ تكمن ـ في جهة المتن والمضمون الحاوي على معلومات ومعادلات عِلْمِيَّة ومَعْرِفِيَّة مُحيطة ومُهَيْمِنَة على ما تحتها. نظيره: العلوم البشريَّة ـ كعِلْمِ : الرياضيَّات، والهندسة، والفيزياء، والكيمياء، والأَحْيَاء ـ ؛ فإِنَّ فيها معلومات وقواعد ومعادلات عِلْمِيَّة فوقيَّة، مُحيطة ومُهَيْمِنَة على سائر مسائل ومباحث علومها المختصَّة بها، وتتفرَّع منها تلك المسائل والمباحث وأَبواب الْعِلْمِ . وهذا ما تُشير إِليه بيانات الوحي، منها: بيان قوله عزَّ ذكره: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ](3). فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّ نفس المعلومات والمعادلات الْعِلْمِيَّة والْعقليَّة والْمَعْرِفِيَّة الإِلٰهيَّة المُودعة في بيانات القرآن الكريم لها هيمنة وإِشرَاف وإِحاطة وسَعَة تتخطَّىٰ بما لانهاية له ما موجود في سائر الكُتُب السَّماويَّة الأُخرىٰ ـ كـ: التوراة، والإِنجيل ـ (4). ثُمَّ إِنَّ الإِحْكَامَ في عَالَمِ المعاني غير الإِحْكَامِ في عَالَمِ البلاغة والدِّلَاَلَةِ والأَلفاظ . ويحتاج ـ الإِحْكَام في عَالَمِ المعاني ـ إِلى عِلْمٍ وافرٍ. وكُلَّما زاد الْعِلْم فيه صعد الفهم في تشخيص المُحْكَم . إِذَنْ: القرآن الكريم وإِنْ كان جميعه ـ صدوراً وأَلفاظاً ودِلَاَلَاتاً ـ نوراً وحُجَّةً قطعاً، لكنَّه مع كلِّ ذلك يُحذِّر الباري عزَّوجلَّ من المساواة بين طبقاته ومراتبه، وإِيَّاكَ أَنْ تأخذ بها بمفردها، بل بعضها فتْنَوِي وزيغي وهو المُتشابه إِنْ اِتَّبَعَهُ المخلوق بمفرده وبعقله، أَمَّا إِذا أَخذ به وبالمُحْكَمات تحت رعاية الراسخين في الْعِلْمِ ـ لا بعقله ـ فسيهتدي. إِذَنْ: مع أَنَّ جميع القرآن الكريم عظيمٌ ونورٌ ومُقَدَّسٌ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لكن نفس القرآن الكريم يُشير إِلى أَنَّ نظام المعلومات ونظام المعادلات الْعِلْمِيَّة والْعقليَّة والْمَعْرِفِيَّة الموجودة فيه ليست على طبقةٍ واحدةٍ في الأَهميَّة والعظمة، بل على طبقاتٍ . وعلى هذا قس السُّنَّة الشَّريفة؛ فإِنَّهما يرتضعان من ثَدْي واحدٍ، ومن ثَمَّ ورد عن أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : أَنَّ في أَخبارهم مُحْكَمَاً ومُتشابهاً، والمُتشابه لا يجوز الأَخذ به إِلَّا تحت رعاية المُحْكَمات. فلاحظ: بيان الإمام الرَّضا عليه السلام : «مَنْ رَدَّ مُتشابه القرآن إِلى مُحْكَمه هُدِيَ إِلى صراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، ثُمَّ قال عليه السلام: إِنَّ في أَخبارنا مُتشابهًا كمتشابه القرآن، ومُحْكَماً كمُحْكَم القرآن، فردُّوا متشابهها إِلى مُحْكَمها، ولا تَتَّبِعُوا متشابهها دون مُحْكَمها فتضلُّوا»(5). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المراد من المُحْكمات: القوانين الدستوريَّة المُبَدَّهة. ثُمَّ إِنَّ مُحْكَمات الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة تعني: يقين وحياني. لكنْ: إِذا دخلت في وعاء المُتلقِّي وكان غير معصومٍ فلا تكون وحياً ولا مُحْكَماً، بل تكون حُجِّيَّتها ظنيَّة الدِّلَاَلَةِ، وإِنْ حصل له القطع واليقين بتلك الدِّلَاَلَةِ ؛ فإِنَّ هذا القطع واليقين لا يخرج عن حريم الحسِّ، وهو في عِرضة الخطأ والْاِشْتِبَاه ، وَمِنْ ثَمَّ تَؤُول حقيقة هذا القطع واليقين إِلى ظنٍّ، فالتفت، وتأَمَّل جيِّداً. (2) آل عمران: 7. (3) المائدة: 48. (4) معنىٰ كلمة: (التوراة) في اللُّغَةِ العبريَّة: الشَّريعة. ومعنىٰ كلمة: (الإِنجيل) في اللُّغَةِ العبريَّة أَيضاً: البشارة الملكوتيَّة. (5) بحار الأَنوار، 2: 185/ ح9